الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة (نسخة منقحة)
.الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي الْكِتَابِ تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ مَا لَمْ يَفْتَرِقُوا أَوْ يَخْتَلِفُوا إِنْ كَانُوا اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ وَهُمْ صِبْيَانٌ كُلُّهُمْ وَلَا يَجُوزُ إِثْبَاتُ الصِّبْيَانِ فِي الْجِرَاحِ بَيْنَهُمْ لِعَدَمِ ضَرُورَةِ اجْتِمَاعِهِمْ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ لِكَبِيرٍ عَلَى صَغِيرٍ وَإِنْ شَهِدَتْ بِيِّنَةٌ عَلَى قَوْلِ صَبِيٍّ أَنَّ فُلَانًا الصَّبِيُّ قَتَلَهُ لَمْ تُقْبَلْ وَلَا يُقْسَمُ بِذَلِكَ وَإِنِ اعْتَرَفَ الْقَاتِلُ لِضَعْفِ اللَّوْثِ وَلَيْسَ فِي الصِّبْيَانِ قَسَامَةٌ فِيمَا بَيْنَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ كَبِيرٌ أَنَّ كَبِيرًا قَتَلَ صَغِيرًا فَيُقْسِمُ أَوْلِيَاؤُهُ لِقُوَّةِ اللَّوْثِ حِينَئِذٍ وَقَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ وَلَا شَهَادَةُ الْإِنَاثِ لِعَدَمِ الْعَدَالَةِ وَقَالَ الْمَخْزُومِيُّ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْإِنَاثِ وَشَهَادَةُ ذُكُورِ الصِّبْيَانِ فِي الْقَتْلِ جَائِزَةٌ وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَغَيْرُهُ فِي شَهَادَةِ الصَّبِيَّيْنِ عَلَى صَبِيَّيْنِ إِنَّهُ جَرَحَ صَبيا ثمَّ فِي جرحه فَمَاتَ ان ولاته يقسمون لمات مِنْ ضَرْبِهِ وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ وَخَالَفْنَا الْأَئِمَّةَ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ وَقَالَ بِقَبُولِهَا عَلِيٌّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَخَالَفَهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} وَاجْتِمَاعُ الصِّبْيَانِ لِلتَّدْرِيبِ عَلَى الْحَرْبِ مِنْ أَعْظَمِ الِاسْتِعْدَادِ لِيَكُونُوا كَثِيرًا أَهْلًا لِذَلِكَ وَيَحْتَاجُونَ فِي ذَلِكَ إِلَى حَمْلِ السِّلَاحِ حَيْثُ لَا يَكُونُ مَعَهُمْ كَبِيرٌ فَلَا يَجُوزُ هَدْرُ دِمَائِهِمْ فَتَدْعُو الضَّرُورَةُ لِقَبُولِ شَهَادَتِهِمْ عَلَى الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ وَالْغَالِبُ مَعَ تِلْكَ الشُّرُوطِ الصِّدْقُ وَنُدْرَةُ الْكَذِبِ فَتَقْدِيمُ الْمَصْلَحَةِ الْغَالِبَةِ عَلَى الْمَفْسَدَةِ النَّادِرَةِ هُوَ دَأْبُ صَاحب كَمَا جَوَّزَ الشَّرْعُ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِي مَوْضِعٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ لِلضَّرُورَةِ وَلِأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} وَهُوَ مَنْعٌ لِشَهَادَةِ غَيْرِ الْبَالِغِ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأشْهدُوا ذَوي عدل مِنْكُم} وَالصَّبِيُّ لَيْسَ بِعَدْلٍ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذا مَا دعوا} وَهُوَ نَهْيٌ وَالنَّهْيُ لَا يَتَنَاوَلُ الصَّبِيَّ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الشُّهَدَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إِقْرَارُهُ فَلَا تُعْتَبَرُ شَهَادَتُهُ كَالْمَجْنُونِ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَوْسَعُ مِنَ الشَّهَادَةِ لِقَبُولِهِ مِنَ الْعَبْدِ وَالْفَاسِقِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ وَقِيَاسًا عَلَى غَيْرِ الْجِرَاحِ وَلِأَنَّهَا لَو قبلت لقبلت اذا افتروا افْتَرَقُوا كالرجال وَلَيْسَ فَلَيْسَ وَلِأَنَّهَا لَوْ قُبِلَتْ لَقُبِلَتْ فِي تَخْرِيقِ ثِيَابِهِمْ فِي الْخَلَوَاتِ أَوْ لَجَازَتْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ بِعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ فِي الْجِرَاحِ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إِنَّمَا يُمْنَعُ الْإِنَاثُ لِانْدِرَاجِ الصِّبْيَانِ مَعَ الرِّجَال فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِجَالا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانثيين} وَلِأَنَّ الْأَمْرَ بِالِاسْتِشْهَادِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي يُمْكِنُ اسْتِثْنَاءُ الشَّهَادَةِ فِيهَا اخْتِيَارًا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ النَّهْيِ الْإِمْكَانَ وَهَذَا مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ تَقَعُ فِيهِ الشَّهَادَةُ بَغْتَةً فَلَا يَتَنَاوَلُهَا الْأَمْرُ فَتَكُونُ مَسْكُوتًا عَنْهَا وَهُوَ الْجَوَابُ عَنِ الْآيَةِ الثَّانِيَة وَقَوله تَعَالَى وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ الْآيَةُ الثَّالِثَةُ فِي الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ اسْتشْهدُوا اخْتِيَارا ع ان هَذِه الظَّوَاهِر عَامَّة وَدَلِيلنَا حَاص فَيُقَدَّمُ عَلَيْهَا وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ إِقْرَارَ الصَّبِيِّ ان كَانَ فِي المَال فَنحْن نسويه بِالشَّهَادَةِ لِأَنَّهُمَا لَا يُقْبَلَانِ وَفِي الدِّمَاءِ إِنْ كَانَ عَمْدًا وَعَمْدُهُ خَطَأٌ فَيَؤُولُ إِلَى الدِّيَةِ فَيَكُونُ إِقْرَارُهُ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا تُقْبَلُ كَإِقْرَارِ الْبَالِغِ وَعَنِ الثَّالِثِ الْفَرْقُ أَنَّ الدِّمَاءَ حُرْمَتُهَا أَعْظَمُ بِدَلِيلِ قَبُولِ الْقَسَامَةِ وَلَا يُقْسَمُ عَلَى دِرْهَمٍ وَعَنِ الرَّابِعِ أَنَّ الِافْتِرَاقَ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيمَ وَالتَّغْيِيرَ وَالصَّغِيرُ إِذَا خُلِّيَ وَسَجِيَّتَهُ الْأُولَى لَا يَكَادُ يَكْذِبُ وَالرِّجَالُ لَهُمْ وَازِعٌ شَرْعِيٌّ إِذَا افْتَرَقُوا بِخِلَافِ الصِّبْيَانِ وَعَنِ الْخَامِسِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ مَزِيدِ حُرْمَةِ الدِّمَاءِ وَلِأَنَّ اجْتِمَاعَهُمْ لَيْسَ لِتَخْرِيقِ ثِيَابِهِمْ غَالِبًا بَلْ لِلضَّرْبِ وَالْجِرَاحِ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا يَجْتَمِعْنَ لِلْقِتَالِ وَلَا هُوَ مَطْلُوبٌ مِنْهُم تَفْرِيعٌ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَعُونَةِ إِذَا أُجِيزَتْ فَبِتِسْعَةِ شُرُوطٍ وَسَتَقِفُ بَعْدَ هَذَا عَلَى اشْتِرَاطِ عَدَمِ شَهَادَةِ الْكَبِيرِ مَعَهُمْ وَأَنْ يَكُونَ الْمَوْطِنُ لَا يَحْضُرُهُ الْكِبَارُ وَأَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ حَاضِرَ الْجَسَدِ فَتَكُونُ الشُّرُوطُ اثْنَيْ عَشَرَ الْعَقْلُ لِيَفْهَمُوا مَا رَأَوْهُ وَالذُّكُورَةُ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ لَا تَحْصُلُ فِي اجْتِمَاعِ الْإِنَاثِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنَاثِ اعْتِبَارًا لَهُنَّ بِالْبَالِغِينَ لَوْثًا ثُمَّ فِي الْقَسَامَةِ وَالْحُرِّيَّةِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَشْهَدُ وَالْإِسْلَامُ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُقْبَلُ فِي قَتْلٍ أَوْ جُرْحٍ لِأَنَّهُ الَّذِي تَدْعُو الضَّرُورَةُ الشَّرْعِيَّةُ إِلَيْهِ وَقِيلَ يُقْبَلُ فِي الْجِرَاحِ فَقَطْ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ ضَعِيفَةٌ فَاقْتُصِرَ فِيهَا عَلَى أَضْعَفِ الْأَمْرَيْنِ وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ لِعَدَمِ ضَرُورَةِ مُخَالَطَةِ الْكَبِيرِ لَهُمْ قَبْلَ التَّفَرُّق لَيْلًا يُلَقَّنُوا الْكَذِبَ وَاتِّفَاقُ أَقْوَالِهِمْ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ يُخِلُّ بِالثِّقَةِ اثْنَانِ فَصَاعِدًا لِأَنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ أَحْسَنَ حَالًا مِنَ الْكِبَارِ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مُحَمَّدٌ إِذَا قُيِّدَتْ شَهَادَتُهُمْ قَبْلَ افْتِرَاقِهِمْ بِالْعُدُولِ لَا يَضُرُّ رُجُوعُهُمْ إِلَّا أَنْ يَتَرَاخَى الْحُكْمُ حَتَّى يَكْبُرُوا وَيَعْدِلُوا فَيُؤْخَذُوا بِرُجُوعِهِمْ إِذَا تَيَقَّنُوا أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِبَاطِلٍ وَقَالَهُ سَحْنُونٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْكِبَارِ أَنَّ رُجُوعَ الْكِبَارِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى بَاطِلٍ خَوْفًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصِّبْيَانُ يَرْجِعُونَ لِأَهْوَاءٍ فَأَوَّلُ أَقْوَالِهِمْ هُوَ الصَّحِيحُ وَلَا تَقْدَحُ فِي شَهَادَتِهِمُ الْعَدَاوَةُ والقرابة لضعف مرواتهم وحمايتهم فَيَنْطِقُونَ بِمَا رَأَوْا مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةٍ لِلْقَرَابَةِ وَالْعَدَاوَةِ وَمَنَعَهَا ابْنُ الْقَاسِمِ قِيَاسًا عَلَى الْكِبَارِ وَمَنَعَهَا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي الْقَرَابَةِ دُونَ الْعَدَاوَةِ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ تَكُونُ لِسَبَبٍ وَتَزُولُ فَهِيَ ضَعِيفَةٌ وَلِأَنَّهَا لَا غَوْرَ لَهَا عِنْدَهُمْ وَالْقَرَابَةُ دَائِمَةٌ مُتَأَكَّدَةٌ وَلَا يُنْظَرُ إِلَى جَرْحِهِ اتِّفَاقًا وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَجُوزُ لِكَبِيرٍ عَلَى صَغِيرٍ فِي الْجراح لِأَنَّهُ بَينهم فَهُوَ يحسهم وَيجوز فِي قَتله على الصَّبِي لعدم التجنيب لِأَنَّهُ عَدَمٌ وَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي قَالَ مَالِكٌ إِذَا شَهِدَ صِبْيَانٌ وَكَبِيرٌ عَلَى صَبِيٍّ أَنه قتل صَبيا سَقَطت الصّبيان لِأَنَّ الْكَبِيرَ قَدْ يَخْبُبُهُمْ قَالَ مُحَمَّدٌ وَيُقْسِمُ مَعَ الْكَبِيرِ إِنْ كَانَ عَدْلًا قَالَ سَحْنُونٌ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ حَيْثُ يَحْضُرُ الْكِبَارُ رجال أو نسَاء لَان النِّسَاءِ تَجُوزُ فِي الْخَطَأِ وَعَمْدُ الصَّبِيِّ كَالْخَطَأِ وَحُضُورُ الْكِبَارِ يُسْقِطُهُمْ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْكِبَارُ ظَاهِرِي الْجُرْحَةِ وَتَوَقَّفَ ابْنُ حَبِيبٍ فِي إِجَازَتِهَا حِينَئِذٍ قَالَ ابْنُ نَافِعٍ وَغَيْرُهُ إِذَا شَهِدَ صِبْيَانٌ عَلَى صَبِيٍّ أَنَّهُ جَرَحَ صَبيا ثمَّ نزى فِي جُرْحُهُ وَمَاتَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ وَقَالَهُ سَحْنُونٌ خلاف الْمُدَوَّنَة وَإِنَّمَا يَجِبُ فِي الْمُدَوَّنَةِ دِيَةُ الْجُرْحِ فَقَطْ قَالَ مَالِكٌ إِذَا لَعِبَ سِتَّةُ صِبْيَانٍ فِي بَحْرٍ فَغَرَقَ وَاحِدٌ فَشَهِدَ ثَلَاثَةٌ أَنَّ الِاثْنَيْنِ غَرَّقَاهُ وَشَهِدَ الِاثْنَانِ أَنَّ الثَّلَاثَةَ غَرَّقُوهُ الدِّيَةُ عَلَى الْخَمْسَةِ لِاخْتِلَافِ الشَّهَادَةِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَهَذَا لَا يقتسم وَتَسْقُطُ شَهَادَتُهُمْ لِلِاخْتِلَافِ وَقَالَهُ مُطَرِّفٌ وَقَالَ لَوْ كَانُوا كِبَارًا فَاخْتَلَفُوا كَانَتِ الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهُ صَارَ إِقْرَارًا كَأَنَّهُمْ قَالُوا لَمْ تَخْرُجِ الْجِنَايَةُ عَنَّا قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَلَوْ شهد صبيان بقتل صبي من صَبِيٍّ وَشَهِدَ آخَرُونَ أَنَّ الْقَاتِلَ لَيْسَ مِنْهُمَا بل دَابَّته قتلته جَبَّار مَضَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَاتِلِ وَقِيلَ ذَلِكَ اخْتِلَافٌ يُسْقِطُ الشَّهَادَةَ وَإِنَّمَا قَاسَهُ عَلَى الْكِبَارِ وَإِنَّ مَنْ أَثْبَتَ حُكْمَهَا أُولَى مِنْ نَافِيهِ قَالَ أَصْبَغُ وَلَوْ شَهِدَ كَبِيرَانِ أَنَّا كُنَّا حَاضِرَيْنِ حَتَّى سقط الصَّبِي فَمَاتَ وَلم يقْتله لعدت شَهَادَة الصّبيان كَمَا لَو تعَارض الْكِبَار هَاهُنَا فِي الْقَتْلِ وَالْحُدُودِ وَالطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ لِأَنَّ الْمُثْبِتَ اولى وانكره سَحْنُون وَقَالَ اصحابنا يقدمُونَ الكبيرين ولان شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ تَبْطُلُ بِحُضُورِ الْكِبَارِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ وَابْنِ نَافِعٍ تَجُوزُ شَهَادَةُ صَبِيٍّ مَعَ يَمِينِ الْمَشْهُودِ لَهُ إِذَا بَلَغَ وَقِيلَ يَحْلِفُ وَالِدُهُ عَنْهُ وَيَسْتَحِقُّ وَقِيلَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْإِنَاثِ فِي الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ وَقِيلَ بَلْ فِي الْجِرَاحِ دُونَ الْقَتْلِ وَهُوَ قَوْلُ الْمَخْزُومِيِّ فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ وَقِيلَ وَحْدِهِنَّ دُونَ صَبِيٍّ كَمَا تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ دُونَ رَجُلٍ فِيمَا لَا يَحْضُرُهُ الرِّجَالُ قَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ مُطَرِّفٌ لَا بُدَّ مِنِ اثْنَيْنِ فِيهِنَّ صبي لَان الْعَادة يَخْتَلِطْنَ مَعَ الصِّبْيَانِ وَاخْتُلِفَ فِي اشْتِرَاطِ عَدَمِ حُضُورِ الْكَبِيرِ مَعَ الصِّبْيَانِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ قَالَ هُوَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ عِنْدِي وَوَقَعَ مَنْعُ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ مُطْلَقًا فِي النَّوَادِرِ قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ فِي الْقَتْلِ حَتَّى يَشْهَدَ الْعُدُولُ عَلَى رُؤْيَةِ الْبَدَنِ مَقْتُولًا تَحْقِيقًا لِلْقَتْلِ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَأَقَلُّ مَا يَجُوزُ فِي شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ غُلَامَانِ أَوْ غُلَامٌ وَجَارِيَتَانِ وَلَا يَجُوزُ غُلَامٌ وَجَارِيَةٌ وَقَالَ سَحْنُونٌ وَلَا يَحْلِفُ مَعَ صَبِيَّيْنِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ لِأَنَّهُمَا كَشَهَادَةِ غُلَامٍ وَقَدْ جَاءَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ وَهَذَا جَمْعٌ فِيهِ الذُّكُورُ وَالْإِنَاثُ وَعَنْ مَالِكٍ تَجُوزُ شَهَادَة الاناث واقل ذَلِك اثْنَان مَعَ صَبِيٍّ وَإِذَا شَهِدَ صِبْيَانٌ أَنَّ صَبِيًّا قَتَلَ صَبِيًّا لَزِمَ الْعَاقِلَةَ الدِّيَةُ بِغَيْرِ قَسَامَةٍ لِأَنَّهُمَا كَالْكَبِيرِ وَإِذَا شَهِدَ اثْنَانِ مِنَ الصِّبْيَانِ أَنَّ فُلَانًا الصَّبِيَّ شَجَّ فُلَانًا الصَّبِيَّ وَشَهِدَ آخَرَانِ إِنَّمَا شَجَّهُ فُلَانٌ قَالَ مَالِكٌ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُمْ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَلَا تَبْطُلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ إِلَّا أَنْ يَشْهَدَ الْكِبَارُ أَنَّ مَا شَهِدُوا بِهِ لَمْ يَكُنْ عَنْ مَعْرِفَةٍ وَمُعَايَنَةٍ أَوْ شَهِدُوا بِاخْتِلَافِ قَوْلِهِمْ أَوْ أَنَّهُمُ افْتَرَقُوا قَبْلَ الشَّهَادَةِ وَلَا تَسْقُطُ بِمِثْلِ هَذَا شَهَادَةُ الْكِبَارِ لِقُوَّةِ شَهَادَتِهِمْ وَإِذَا شَهِدَ الصِّبْيَانُ ثُمَّ شَهِدَ اثْنَانِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعَدَالَةِ أَنَّ مَا شَهِدْنَا بِهِ نَحْنُ وَالْبَاقُونَ بَاطِلٌ سَقَطَتِ الشَّهَادَةُ كُلُّهَا بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ بِبُطْلَانِهَا قَالَ سَحْنُونٌ لَا رُجُوعَ لِلصَّبِيِّ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَوْ رَجَعَ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْحُكْمِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهَا كَانَت فِي وَقت تُوجِبُ ضَمَانًا وَلَا أَدَبًا لَوْ رَجَعَ.فَائِدَةٌ:قَالَ الْأَصْحَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَخْبُبُوا مَأْخُوذٌ مِنَ الْخِبِّ الَّذِي هُوَ الْخَدِيعَةُ لِقَوْلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِيَّاكُمْ وَرَطَانَةَ الْأَعَاجِمِ فَإِنَّهَا خِبٌّ أَيْ تَخْدَعُ من لَا يعرفهَا فيتواطؤا عَلَى أَذِيَّتِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ وَلِقَوْلِهِ لَسْتُ بِالْخِبِّ وَالْخِبُّ لَا يَخْدَعُنِي فَكَانَ تَعْلِيمُ الصَّبِيِّ أَنْ يَكْذِبَ وَيُجْرِيَ شَهَادَتَهُ خِدَاعٌ فِي الشَّهَادَةِ وحيلة على الْمَشْهُود لَهُ..المسألة الثَّالِثَة: فِي الْكتاب يجمع الرَّجُلُ إِذَا شَهِدَتِ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ آكِلُ رِبًا أَوْ صَاحِبُ قِيَانٍ أَوْ كَذَّابٌ فِي غَيْرِ شَيْءٍ وَاحِدٍ وَنَحْوُهُ وَلَا يَجْرَحُهُ إِلَّا عَدْلَانِ وَقَالَ رَبِيعَةُ تُرَدُّ شَهَادَةُ الظَّنِينِ وَهُوَ الْمَغْمُوصُ فِي خَلَائِقِهِ وَمُخَالَفَةِ حَالِ الْعَدْلِ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ قَبِيحُ عَمَلٍ فِي التَّنْبِيهَاتِ الْقِيَانُ الْمُغَنِّيَاتُ وَأَصْلُ الْقَيْنَةِ الْأَمَةُ وَصَاحِبُ الْقِيَانِ هُوَ الَّذِي يَكُنَّ عِنْدَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ الَّذِي يَسْمَعُهُنَّ أَيْنَمَا كُنَّ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ وَفِي الْكِتَابِ تُمْنَعُ شَهَادَةُ الْمُغَنِّي وَالنَّائِحَةِ إِذَا عُرِفُوا بِذَلِكَ وَالشَّاعِرِ الَّذِي يَمْدَحُ مَنْ أَعْطَاهُ وَيَهْجُو مَنْ مَنَعَهُ فَإِنْ كَانَ يَأْخُذُ مِمَّن اعطاه وَلَا يهجومن مَنَعَهُ قُبِلَ لِأَنَّ الذَّمَّ حَرَامٌ وَالْأَخْذَ مَكْرُوهٌ وَمُدْمِنُ الشِّطْرَنْجِ لَا يُقْبَلُ بِخِلَافِ لَاعِبِهَا مَرَّةً بعد مرّة لِأَنَّهُ صَغِيرَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَكَرِهَ مَالِكٌ اللَّعِبَ بِهَا وَقَالَ هِيَ شَرٌّ مِنَ النَّرْدِ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ إِذَا حَسُنَتْ حَالُهُ فِي الْحُقُوقِ وَالطَّلَاقِ وَفِي النُّكَتِ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْفَقِيرِ الَّذِي يَقْبَلُ مَا يُعْطَى مِنْ غَيْرِ سُؤَالٍ لقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مااتاك من غير مسالة فَخذه فَإِنَّمَا هُوَ دنق دنقكه اللَّهُ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ الَّذِي لَا تَجُوزُ شَهَادَتُهُ بِإِدْمَانِ الشِّطْرَنْجِ الَّذِي يَلْعَبُ بِهَا فِي السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ مُحَمَّدٌ وَلَعِبُ الْحَمَامِ كَالشِّطْرَنْجِ تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهِمَا إِنْ قَامَرَ أَوْ أَدْمَنَ مِنْ غَيْرِ قِمَارٍ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ إِنْ لَعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ حَتَّى يَشْغَلَهُ عَنِ الصَّلَوَاتِ فِي الْجَمَاعَات لم يقبل والا قبلت وَقيل ترد شَهَادَته وَلم يذعن لِلشِّطْرَنْجِ وَمَنَعَ مَالِكٌ شَهَادَةَ الْقَدَرِيَّةِ قَالَ سَحْنُونٌ تُرَدُّ شَهَادَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ كُلِّهِمُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْإِبَاضِيَّةِ وَالْجَهْمِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّ الْبِدَعَ إِمَّا كُفْرٌ أَوْ كَبِيرَةٌ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ مَنْ عُرِفَ بِالْبِدْعَةِ لَا يُقْبَلُ بِخِلَافِ مَنْ لُطِّخَ بِهَا غَيْرِ صَرِيحٍ وَمَنَعَ سَحْنُونٌ شَهَادَةَ الْمُنَجِّمِ الَّذِي يَدَّعِي الْقَضَاءَ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ وَلَا الْكَاهِنُ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ ذَلِك والتغليط فِيهِ وَاخْتُلِفَ فِي شَهَادَةِ مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ مَرَّةً أَوْ ثَلَاثًا قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ لَا يُقْبَلُ مَنْ لَا يُقِيمُ صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ فِي فَرْضٍ أَوْ نَافِلَة لوُجُوب ذَلِك فيهمَا بِالشُّرُوعِ قَالَ سَحْنُونٌ إِذَا لَمْ يَحُجَّ وَهُوَ كَثِيرُ الْمَالِ فِي طُولِ الزَّمَانِ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ لَا يُقْبَلُ وَرَدَّ ابْنُ الْقَاسِمِ قَاطِعَ الدَّنَانِيرِ إِلَّا أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ وَعَنْهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لِإِفْسَادِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ سَحْنُونٌ لَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ قَالَ ابْنُ يُونُسَ إِنْ كَانَ الْبَلَدُ دَنَانِيرُهُمْ مَقْطُوعَةٌ مَجْمُوعَةٌ فَأَحْسَنُ قَوْلُ سَحْنُونٍ وَإِلَّا فَقَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي قَاطِعِهَا أَقْوَالٌ ثَالِثُهَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَاهِلِ وَغَيْرِهِ قَالَ وَهَذَا الِاخْتِلَافُ عِنْدِي إِنَّمَا هُوَ إِذَا قَطَعَ الدَّرَاهِمَ أَوِ الدَّنَانِيرَ وَهِيَ وَازِنَةٌ فَرَدَّهَا نَاقِصَةً فِي الْبَلَدِ الَّذِي لَا تَجُوزُ فِيهِ نَاقِصَة وَهِي تجْرِي فِيهِ عددا بِغَيْر وزن فينفقها وَتبين نَقْصَهَا وَلَا يَغُشُّ بِهَا وَأَمَّا إِنْ لَمْ يبين وغش فَلَا خلاف أَنه جُرْحَةٌ وَأَمَّا إِنْ قَطَعَهَا وَهِيَ مَقْطُوعَةٌ أَوْ غَيْرُ مَقْطُوعَةٍ غَيْرَ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ أَعْيَانُهَا بل بالميزان فَلَا خلاف أَنَّهَا لست جُرْحَةً وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِمَكْرُوهِ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ حَمْلُ الْخِلَافِ عَلَى اخْتِلَافِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ فَلَا يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ سَحْنُونٌ خُرُوجُ الْفَقِيهِ الْفَاضِلِ لِلصَّيْدِ لَيْسَ بِجُرْحَةٍ وَمَطْلُ الْغَنِيِّ بِالدِّينِ جُرْحَةٌ وَالْوَطْءُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ إِنْ كَانَ لَا يَجْهَلُ مَكْرُوهٌ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ وَطْءُ صَغِيرَةٍ مِثْلُهَا يُوطَأُ قَبْلَ الِاسْتِبْرَاءِ قَالَ عبد الْملك الاقلف يتْرك القلفة لِعُذْرٍ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ سَمَاعُ صَوْتِ الْعُودِ وَحُضُورُهُ مِنْ غَيْرِ نَبِيذٍ جُرْحَةٌ إِلَّا أَنْ يَحْضُرَهَا فِي عُرْسٍ أَوْ صَنِيعٍ فَلَا يَبْلُغُ رَدَّ الشَّهَادَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ نَبِيذٌ وَسَمَاعُ الْغِنَاءِ لَيْسَ بِجُرْحَةٍ إِلَّا أَنْ يُدْمَنَ وَلَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ بِالْأَلْحَانِ فَإِنْ فَعَلَ فَفِي رَدِّ شَهَادَتِهِ خِلَافٌ قَالَ أَشْهَبُ مَنْ ظَهَرَتْ تَوْبَتُهُ جَازَتْ شَهَادَتُهُ حُدَّ فِي قَذْفٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنَ الْحُدُودِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الا اللَّذين تَابُوا} وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ وَسَحْنُونٌ لَا تُرَدُّ الشَّهَادَة الْقَاذِفِ حَتَّى يُجْلَدَ وَبِقَبُولِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ إِذَا تَابَ قل ش وَابْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ ح بِعَدَمِ قَبُولِهَا لنا قَوْله تعإلى {ان جَاءَكُم فَاسق بنباء فَتَبَيَّنُوا} الْآيَةَ فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الْعَدْلَ لَا يَتَبَيَّنُ فِي خَبَرِهِ وَيُقْبَلُ وَهَذَا عَدْلٌ وقَوْله تَعَالَى {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} وَقَالَ ايضا {وَأشْهدُوا ذَوي عدل} وَلَمْ يُفَرِّقْ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التوابين} وَمَنْ أَحَبَّهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهَوَ عَدْلٌ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي آيَاتِ الْقَذْفِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَة فَإِن الَّذين شهدُوا على الْمُغيرَة بالزنى جَلَدَهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ تُوبُوا تُقْبَلْ شَهَادَتُكُمْ فَتَابَ مِنْهُمُ اثْنَانِ فَقَبِلَ شَهَادَتَهُمَا وَقَالَ لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ تُقْبَلْ شَهَادَتُكَ وَهُوَ يَقُولُ لَا أَتُوبُ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا مِنْهُمْ ثُمَّ الْكَافِرُ إِذَا قَذَفَ فَحُدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ فَكَذَلِكَ الْمُسْلِمُ وَجَمِيعُ الْحُدُودِ إِذَا تَابَ جُنَاتُهَا قُبِلُوا وَهِيَ أَعْظَمُ مِنَ الْقَذْفِ كَالزِّنَا إِجْمَاعًا وَالْحَدُّ مُطَهِّرٌ فَيَجِبُ الْقَبُولُ وَالْحَدُّ اسْتِيفَاءُ حَقٍّ فَلَا يَبْقَى مَانِعٌ مِنَ الْقَبُولِ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} وَلَمْ يُفَرِّقْ وَلِأَنَّهُ خَصَّصَ بِهَذَا فَلَوْ أَنَّهُ يُقْبَلُ إِذَا تَابَ وَسَائِرُ الْمَعَاصِي كَذَلِكَ لَمْ يَبْقَ فِي التَّخْصِيصِ.فَائِدَةٌ:وَلِأَنَّ الْجَلْدَ لَا يرْتَفع بِالتَّوْبَةِ فَكَذَلِك رد الشَّهَادَة ولان الاستثناءفي الْآيَةِ يَجِبُ عَوْدُهُ عَلَى آخِرِ جُمْلَةٍ فِي الْآيَةِ وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} صَوْنًا لِلْكَلَامِ عَنِ الْإِبْطَالِ فَيَبْقَى قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا} عَلَى حَالِهِ وَأَصْلُ مَالِكٍ عَوْدُ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْجُمْلَة الاخيرة فَلم ينْقض اصله هَاهُنَا وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّا نُخَصِّصُ التَّأْبِيدَ بِحَالَةِ عَدَمِ التَّوْبَةِ لِأَنَّهُ فِسْقٌ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ فَائِدَة التَّخْصِيص ثُبُوت الحكم فِي الزِّنَى وَغَيْرِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْقَذْفَ أَخْفَضُ رُتْبَةً مِنْهَا فَإِذا ردَّتْ الشَّهَادَة فاولى بِغَيْرِهِ وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ الْحَدَّ حَقٌّ كَأَخْذِ الْمَالِ وَالْقَصَاصِ فَكَمَا لَا يَسْقُطُ رَدُّ الْمَالِ فِي الْحِرَابَة وَغَيرهَا بِالتَّوْبَةِ فَكَذَلِك الْحُدُود لَا شَهَادَة انما هُوَ اهتضام والحار عَن تعظم الله تَعَالَى وَالْحَوْبَةُ تَمْحُوهَا التَّوْبَةُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَعَنِ الرَّابِعِ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي أَحْكَامِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَاحِدَةٌ وَهِيَ الْقَذْفُ وَقُبْحُ الْجِنَايَةِ فَإِذَا زَالَ ذَلِكَ بِالتَّوْبَةِ وَحَسُنَتْ حَالُهُ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى زَالَتْ تِلْكَ الْأَحْكَامُ كُلُّهَا لِزَوَالِ سَبَبِهَا الْمُتَّحِدِ إِلَّا الْحَدَّ لِكَوْنِهِ لَا يَزُولُ لِمَا تَقَدَّمَ وَلقَوْله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَامِدِيَّةِ لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ فَأَخْبَرَ عَنْ عَظِيمِ تَوْبَتِهَا وَمَعَ ذَلِكَ رَجَمَهَا فَعُلِمَ بِأَنَّ الْحُدُودَ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ إِلَّا الْحِرابَةَ لِكَوْنِ الْحَدِّ فِيهِ تَنْكِيلًا وَلَا تَنْكِيلَ مَعَ التَّوْبَةِ وَهُوَ فِي غَيْرِهَا إِنْ وَقَعَ قَبْلَ التَّوْبَةِ هُوَ تَنْكِيلٌ أَوْ بَعْدَهَا فَتَطْهِيرٌ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنْ مُخَالَفَتِنَا لِأَصْلِنَا فَإِنَّا إِنَّمَا نَقُولُ بِعَوْدِهِ عَلَى الْأَخِيرَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ سَبَبُهَا وَاحِدًا قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى إِذَا تَرَكَ الْجُمُعَةَ مَرَّةً وَاحِدَةً قَالَ أَصْبَغُ هِيَ جُرْحَةٌ كَإِحْدَى الْفَرَائِضِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَمَنَعَ سَحْنُونٌ حَتَّى يَتْرُكَهَا ثَلَاثًا مُتَوَالِيَاتٍ لِأَنَّهُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ الْحَدِيثُ وَالْوَاجِبَاتُ عَلَى التَّرَاخِي لَا يَفْسُقُ إِلَّا بِتَرْكِهَا الْمُدَّةَ الطَّوِيلَةَ الَّذِي يَغْلُبُ عَلَى الظَّنِّ تَهَاوُنُهُ بِهَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَدَائِهَا وَالْمَنْدُوبُ إِنْ كَانَ يَتَكَرَّرُ وَيَتَأَكَّدُ كَالْوَتْرِ وَرَكْعَتَيِ الْفَجْرِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ تَرَكَهُ جُرْحَةً إِذَا أَقْسَمَ لَا يَفْعَلُهُ أَوْ تَرَكَهُ جُمْلَةً لِأَنَّ ذَلِك يدل على تهاونه بِالدّينِ تَرْكِهِ مَرَّةً وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَالِفِ لَا أَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَلَا أَنْقُصُ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ فَالْحَالِفُ انما حلف ان لَا يَفْعَلَ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على وَجه الْوُجُوب ان لَا يَزِيدَ زِيَادَةً مُفْسِدَةً كَرَكْعَةٍ خَامِسَةٍ وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ لَا أَفْعَلُ شَيْئًا مِنَ الْخَيْرِ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ كَمَا أَنْكَرَ عَلَى الَّذِي سَمِعَهُ يَحْلِفُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ وَخَصْمُهُ يَسْتَوْضِعُهُ مِنْ حَقِّهِ وَهُوَ يَقُولُ وَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ايْنَ المتالي ان لَا يَفْعَلَ الْمَعْرُوفَ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَهْ أَيْ دَعْ.تَنْبِيهٌ:قَالَ صَاحِبُ الْمُقَدِّمَاتِ الْمَشْهُورُ قَبُولُ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ قَبْلَ جَلْدِهِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَهُ ح وَرَدَّهَا عبد الْملك ومطرف وش وَابْن حَنْبَل لنا أَنه قبل الْجلد فَاسق لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَفْرَغْ مِنَ الْجَلْدِ يَجُوزُ رُجُوعُ الْبَيِّنَةِ وَتَصْدِيقُ الْمَقْذُوفِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْفِسْقُ إِلَّا بَعْدَ الْجَلْدِ وَالْأَصْلُ اسْتِصْحَابُ الْعَدَالَةِ وَالْحَالَةِ السَّابِقَةِ احْتَجُّوا بِأَنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ تَرْتِيبَ الْفِسْقِ عَلَى الْقَذْفِ وَقَدْ تَحَقَّقَ الْقَذْفُ فَيَتَحَقَّقُ الْفِسْقُ سَوَاءٌ جُلِدَ أَمْ لَا وَلِأَنَّ الْجَلْدَ فَرْعُ ثُبُوتِ الْفِسْقِ فَلَوْ تَوَقَّفَ الْفِسْقُ عَلَى الْحَدِّ لَزِمَ الدَّوْرُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ الا حَيْثُ تَيَقنا الْعَدَالَة وَلم تتيقن هَاهُنَا فَيرد وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ صِحَةَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَبُطْلَانَ مَا ذَكَرْتُمُوهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أبدا وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ} فَرَتَّبَ رَدَّ الشَّهَادَةِ وَالْفِسْقِ عَلَى الْجَلْدِ وَتَرْتِيبُ الحكم على الْوَصْف يدل على علية ذَلِك الْوَصْفِ لِذَلِكَ الْحُكْمِ فَيَكُونُ الْجَلْدُ هُوَ السَّبَبَ فِي الْفِسْقِ فَحَيْثُ لَا جَلْدَ لَا فُسُوقَ وَهُوَ مَطْلُوبُنَا وَعَكْسُ مَطْلُوبِكُمْ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ الْجلد فرع ثُبُوت الْفسق ظَاهرا ظُهُورًا ضَعِيفًا لِجَوَازِ رُجُوعِ الْبَيِّنَةِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ أَوْ تَصْدِيقِ الْمَقْذُوفِ فَإِذَا أُقِيمَ الْحَدُّ قَوِيَ الظُّهُورُ بِإِقْدَامِ الْبَيِّنَةِ وَتَصْمِيمِهَا عَلَى أَذِيَّةِ الْقَاذِفِ وَكَذَلِكَ الْمَقْذُوفُ وَحِينَئِذٍ نَقُولُ إِنَّ مَدْرَكَ رَدِّ الشَّهَادَةِ إِنَّمَا هُوَ الظُّهُورُ الْقَوِيُّ لِأَنَّهُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ الاصل بَقَاءُ الْعَدَالَةِ إِلَّا حَيْثُ أَجْمَعْنَا عَلَى انْتِفَائِهَا وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْعَدَالَةِ السَّابِقَةِ.تَنْبِيهٌ:قَالَ صَاحِبُ الْمُنْتَقَى قَالَ الْقَاضِي أَبُو اسحاق وش لابد فِي تَوْبَة الْقَاذِف من تَكْذِيبه لنَفسِهِ فَإِنَّمَا قَضَيْنَا بِكَذِبِهِ فِي الظَّاهِرِ لَمَّا فَسَّقْنَاهُ فَلَوْ لَمْ يُكَذِّبْ نَفْسَهُ لَكَانَ مُصِرًّا عَلَى الْكَذِبِ الَّذِي فَسَّقْنَاهُ لِأَجْلِهِ فِي الظَّاهِرِ وَعَلَيْهِ إِشْكَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ صَادِقًا فِي قَذْفِهِ فَتَكْذِيبُهُ لِنَفْسِهِ كَذِبٌ فَكَيْفَ تُشْتَرَطُ الْمَعْصِيَةُ فِي التَّوْبَةِ وَهِيَ ضِدُّهَا وَتُجْعَلُ الْمَعَاصِي سَبَبَ صَلَاحِ الْعَبْدِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ وَرِفْعَتِهِ وَثَانِيهُمَا أَنَّهُ إِنْ كَانَ كَاذِبًا فِي قَذْفِهِ فَهُوَ فَاسِقٌ أَوْ صَادِقًا فَهُوَ عَاصٍ لِأَنَّ تَعْيِيرَ الزَّانِي بِزِنَاهُ مَعْصِيّة فَكيف يَنْفَعهُ تَكْذِيب مَعَ كَوْنِهِ عَاصِيًا بِكُلِّ حَالٍ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْكَذِبَ لِأَجْلِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ كَرَجُلٍ مَعَ امْرَأَتِهِ وَالْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَهَذَا الْكَذِبُ فِيهِ مَصْلَحَةُ السَّتْرِ عَلَى الْمَقْذُوفِ وَتَقْلِيلُ الْأَذِيَّةِ وَالْفَضِيحَةِ عِنْدَ النَّاسِ وَقَبُولُ شَهَادَتِهِ فِي نَفْسِهِ وَعَوْدُهُ إِلَى الْوِلَايَاتِ الَّتِي تُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَدَالَةُ وَتَصَرُّفُهُ فِي أَمْوَالِ أَوْلَادِهِ وَتَزْوِيجُهُ لِمَنْ يَلِي عَلَيْهِ وَتعرض لِلْوِلَايَاتِ الشَّرْعِيَّةِ وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ تَعْيِيرَ الزَّانِي صَغِيرَة لَا يمْنَع مِنَ الشَّهَادَةِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُشْتَرَطُ فِي تَوْبَتِهِ وَلَا قَبُولِ شَهَادَتِهِ تَكْذِيبُهُ نَفْسَهُ بَلْ صَلَاحُ حَالِهِ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ كَسَائِرِ الذُّنُوبِ تَفْرِيعٌ قَالَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ سَحْنُونٌ تُرَدُّ شَهَادَة الْمَحْدُود فِيمَا حد فِيهِ من قدف أَو غَيره وَإِن تَابَ كَشَهَادَة ولد فِي الزِّنَى للتُّهمَةِ فِي تَسْوِيَة النَّاس وجوزها ش وح فِي الزِّنَى وَغَيْرِهِ وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ وَغَيْرُهُ تُرَدُّ شَهَادَةُ الزانى فِي الزِّنَى والقدف وَاللِّعَانِ وَإِنْ تَابَ وَالْمَنْبُوذِ وَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ شَهَادَته فِي شَيْء من وجوده الزِّنَى لِلتُّهْمَةِ وَقَالَ مَالِكٌ تُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَى إِلَّا فِي الزِّنَى قَالَ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَن لَا يُقْبَلَ السَّارِقُ فِي السَّرِقَةِ وَالْقَاذِفُ فِي الْقَذْفِ وَالزَّانِي فِي الزِّنَى قِيلَ قَدْ قِيلَ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدَ مَالِكٍ بَلْ قَبِلَ مَالِكٌ الْقَاذِفَ فِي الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ وَلَدِ الزِّنَى أَنَّ مَعْرِفَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ تَزُولُ بِالتَّوْبَةِ كَالْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ وَكَوْنِهِ وَلَدَ زِنًى دَائِمَ الْمَعَرَّةِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلْمُدَوَّنَةِ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَه سَحْنُون فِي اعتبارالتهمة فَرْعٌ قَالَ إِذَا حُدَّ نَصْرَانِيٌّ فِي قَذْفٍ ثمَّ أسلم بِالْقربِ فَثَبت شَهَادَته وَتوقف سَحْنُون فِيهِ حَتَّى يظْهر صَلَاحهمْ حَالِهِ كَالْمُسْلِمِ فَرْعٌ فِي النَّوَادِرِ قَالَ ابْنُ كِنَانَةَ تُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ لَا يُحْكِمُ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاة وَلَا يعدر فِي ذَلِكَ بِالْجَهْلِ لِأَنَّ التَّعَلُّمَ وَاجِبٌ قَبْلَ الْعَمَلِ وَكَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَعْلَمِ التَّيَمُّمَ وَقد وَجب علبه وَكَذَلِكَ الْجَهْلُ بِنُصُبِ الزَّكَاةِ وَقَدْرِ الْوَاجِبِ فِيهَا إِذَا كَانَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيُرَدُّ الْفَارُّ مِنَ الزَّحْفِ حَيْثُ يَجِبُ الْوُقُوفُ قَالَ سَحْنُونٌ يُرَدُّ بَائِعُ النَّرْدِ وَالْعِيدَانِ والمزامر وَالطُّنْبُورِ وَعَاصِرُ الْخَمْرِ وَبَائِعُهَا وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْهَا فَإِنَّ بَاعَهَا عَصِيرًا لَمْ يُرَدَّ إِلَّا أَنْ يقدم إِلَيْهِ فَلَا يَنْتَهِي وَيرد مُوجب الْحَانُوتِ لِبَيْعِ الْخَمْرِ وَهِيَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَكَذَلِكَ الَّذِي يَسْتَحْلِفُ أَبَاهُ فِي حُقٍّ وَهُوَ جَاهِلٌ أَوْ جَدَّهُ وَإِنْ كَانَ حَقه ثَابتا لِأَنَّهُ عقوق وَلَا يعدر بِالْجَهَالَةِ قَالَ سَحْنُونٌ إِذَا تَسَلَّفَ مِنْ حِجَارَةِ الْمَسْجِدِ وَرَدَّ عِوَضَهَا وَقَالَ ظَنَنْتُ أَنَّ هَذَا يجوز إِذْ قَدْ يُجْهَلُ مِثْلُ هَذَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِم اذا سمى ابْن فلَان وَأَنَّهَا مَاتَ ابْن فُلَانٌ وَلَهُ أَمَةٌ حَامِلٌ فَوُلَدَتْ هَذَا فَلَمْ يورثه وَلَا ادَّعَوْا رَقَبَتَهُ وَلَا رَقَبَةَ أُمِّهِ وَكَبُرَ وَانْتَسَبَ إِلَى الْمَيِّتِ وَلَمْ يَطْلُبِ الْمِيرَاثَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَسْأَلَ بَنِي الْمَيِّتِ إِنْ أَقَرُّوا بِهِ لَمْ يَضُرَّهُ تَرْكُ الْمِيرَاثِ وَإِنْ لَمْ يُقِرُّوا وَلَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِوَطْءِ أَبِيهِمُ الْأَمَةَ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ فَإِنْ أَعْتَقَهُ الْوَرَثَةُ مَعَ أُمِّهِ وَهُوَ مُقِيمٌ عَلَى الِانْتِسَابِ لِلْمَيِّتِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ.قَاعِدَةٌ:الْكَبِيرَةُ مَا عَظُمَتْ مَفْسَدَتُهَا وَالصَّغِيرَةُ مَا قلت مفسدتها فَيعلم مَا تُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ بِأَنْ يُحْفَظَ مَا ورد فِي السّنة أَنَّهَا كَبِيرَةٌ فَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ وَمَا قَصُرَ عَنْهُ فِي الْمَفْسَدَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ فَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَنَقَلَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ مَا أَكْبَرُ الَكَبائِرِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ شَرِيكًا وَقَدْ خَلَقَكَ قُلْتُ ثُمَّ أَيُّ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَوَفَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ قُلْتُ ثُمَّ أَيْ قَالَ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ» وَفِي حَدِيثٍ آخر «اجتنبوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قِيلَ وَمَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ وَأَكْلُ الرِّبَا وَشَهَادَةُ الزُّورِ» وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَفِي آخَرَ وَاسْتِحْلَالُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كُلُّ مَا نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعد عَلَيْهِ أَوْ رَتَّبَ حَدًّا أَوْ عُقُوبَةً فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَيَلْحَقُ بِهِ مَا فِي مَعْنَاهُ مِمَّا ساواه فِي الْمفْسدَة مَعْنَاهَا وَثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جعل الْقبْلَة فِي الاجنبية صعيرة فَيلْحق بهَا مَا فِي مَعْنَاهُ فَتَكُونُ صَغِيرَةً لَا تَقْدَحُ إِلَّا أَنْ يُصِرَّ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إِصْرَارٍ.تَمْهِيدٌ:مَا ضَابِطُ الْإِصْرَارِ الْمُصَيِّرِ لِلصَّغِيرَةِ كَبِيرَةً وَمَا عَدَدُ التَّكْرَارِ الْمُحَصِّلِ لِذَلِكَ وَكَذَلِكَ مَا ضَابِطُ إِخْلَالِ الْمُبَاحِ بِالْعَدَالَةِ كَالْأَكْلِ فِي السُّوقِ وَغَيْرِهِ ضَابِطُهُ كَمَا حَرَّرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنْ نَنْظُرَ إِلَى مَا يَحْصُلُ مِنْ مُلَابَسَةِ الْكَبِيرَةِ مِنْ عَدَمِ الْوُثُوقِ بِفَاعِلِهَا ثُمَّ نَنْظُرَ إِلَى الصَّغِيرَةِ فَمَتَى حَصَلَ مِنْ تَكْرَارِهَا مَعَ الْبَقَاءِ عَلَى عَدَمِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ مَا يُوجِبُ عَدَمَ الْوُثُوقِ بِهِ فِي دِينِهِ وَإِقْدَامِهِ عَلَى الْكَذِبِ فِي الشَّهَادَةِ فَاجْعَلْ ذَلِكَ قَادِحًا وَمَا لَا فَلَا وَكَذَلِكَ الْأُمُورُ الْمُبَاحَةُ وَمَنْ تَكَرَّرَتِ الصَّغِيرَةُ مِنْهُ مَعَ تَخَلُّلِ التَّوْبَةِ وَالنَّدَمِ أَوْ مِنْ أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ مَعَ عَدَمِ اشْتِمَالِ الْقَلْبِ عَلَى الْعَوْدَةِ لَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَة.فرع:فِي الْجَوَاهِرِ إِذَا تَابَ الْفَاسِقُ قُبِلَ وَلَا يَكْفِي قَوْلُهُ تُبْتُ وَلَا إِقْرَارُ الْقَاذِفِ بِالْكَذِبِ بل لابد فِي كُلِّ فَاسِقٍ أَنْ يُسْتَبْرَأَ حَالُهُ مُدَّةً بِقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ اسْتِقَامَتُهُ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ وَحَدَّهَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِسَنَةٍ مِنْ حِين اظهار التَّوْبَة كالعنين وتاثير الْوُصُول فِي الغرائم كَتَأْثِيرِهَا فِي الْأَمْرَاضِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَالتَّحْقِيقُ الرُّجُوعُ لِلْقَرَائِنِ فَمِنَ النَّاسِ بَعِيدُ الْغَوْرِ لَا يَكَادُ يُعْلَمُ مُعْتَقَدُهُ وَيُغَالِطُ الْحُذَّاقَ حَتَّى يَظُنُّوا أَنَّهُ صَالِحٌ فَيَسْتَظْهِرُ فِي حَقِّهِ اكثر وَمِنْهُم من لايكاد يخفى حَاله فَيَكْفِي زَمنا يظْهر فِيهِ الِانْتِقَال.
|